الأردن يمنح مرضى السَّرطان مظلة حماية تصون كرامتهم قبل ملامسة معاناتهم

أطلق الأردن برنامج تأمين صحي غير مسبوق لمرضى السرطان، يضع صحة المواطن في مقدمة الأولويات، ويمنح الفئات الأكثر هشاشة مظلة حماية تحفظ كرامتهم وتوفر لهم رعاية شاملة قبل وقوع المرض. وجاء هذا البرنامج نتيجة لاتفاقية وقعتها الحكومة مع مؤسسة ومركز الحسين للسرطان، لبدء تنفيذ التأمين الصحي الجديد، في خطوة نالت ترحيبًا واسعًا واعتُبرت تمهيدًا لتطبيق التأمين الصحي الشامل الذي تسعى الحكومة لتحقيقه ضمن خطة التحديث الاقتصادي.
ورأى مسؤولون وخبراء أن هذه الخطوة تمثل تحولًا نوعيًا في استثمار الموارد المالية لخدمة صحة المواطنين، وتعزيز مبدأ الحماية الاجتماعية، من خلال تقديم بوليصة تأمين تُفعل حتى قبل تشخيص المرض. ويشمل البرنامج تغطية الفئة العمرية من 60 عامًا فما فوق، كونهم الأكثر عرضة للإصابة وفق الدراسات، بالإضافة إلى جميع الأطفال الأردنيين ممن هم في سن 19 عامًا فما دون، وكذلك كافة منتفعي صندوق المعونة الوطنية بغض النظر عن أعمارهم.
مديرة مؤسسة الحسين للسرطان، نسرين قطامش، وصفت الاتفاقية بأنها تمثل تحولًا كبيرًا في توظيف الموارد والبنية التحتية بشكل أكثر كفاءة، خصوصًا مع تركيز الدعم على الفئات الأشد احتياجًا، ما يُكرّس مبدأ العدالة ويجنب المواطن المعاناة البيروقراطية عند الحاجة للعلاج. وأوضحت أن الاتفاقية تعزز الانتقال من نظام الإعفاءات اللاحقة للإصابة إلى منظومة وقائية تقوم على التأمين والرعاية الاجتماعية.
وبيّنت قطامش أن الشراكة مع الحكومة ستُسهم في توحيد بروتوكولات العلاج، وبناء قدرات طبية، وتفعيل تشغيل مراكز الأورام التابعة لوزارة الصحة في مختلف المحافظات. كما أكدت أن المركز قادر حاليًا على استيعاب الأعداد الجديدة المتوقعة من المرضى، مع دراسة خطط توسع مستقبلية حسب الحاجة.
رئيس لجنة الصحة في مجلس النواب، الدكتور شاهر شطناوي، وصف المبادرة بأنها مكرمة هاشمية تُجسد حرص القيادة على كرامة المواطن، خاصة عند إصابته بأمراض خطيرة كالسرطان. وأشار إلى أن هذه الخطوة ستسهم في إنهاء معاناة المرضى مع إجراءات الإعفاءات والتحويلات الطبية، رغم ما تشكله من عبء مالي على خزينة الدولة.
من جهتها، أكدت مديرة صندوق المعونة الوطنية، ختام شنيكات، أن شمول جميع منتفعي الصندوق بالعلاج في مركز الحسين للسرطان سيخفف من الأعباء المالية الإضافية التي تواجه الأسر الأشد فقرًا، والتي تعاني من هشاشة مضاعفة عند إصابة أحد أفرادها بالمرض. ولفتت إلى أن القرار ينسجم مع أهداف الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية (2025–2033)، خاصة في ما يتعلق بالخدمات الإضافية ضمن برنامج “تكافل بلس”.
الخبير الاقتصادي حسام عايش اعتبر الاتفاقية خطوة ذكية تعبّر عن نهج اقتصادي واجتماعي يُركز على إعادة توزيع الموارد لصالح الأولويات الصحية، وفي مقدمتها الأمراض المزمنة مثل السرطان. ورغم كلفتها العالية التي تتحمل منها الحكومة نحو 124 مليون دينار سنويًا، شدد على أنها تمثل استثمارًا طويل الأمد في رأس المال البشري، من شأنه أن يحقق عوائد اقتصادية واجتماعية ملموسة.
وأوضح عايش أن الإنفاق العام على الصحة في الأردن بلغ حوالي 2.7 مليار دينار في عام 2022، أي ما يعادل 7.7% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو من أعلى النسب على المستويين الإقليمي والعالمي، مما يستدعي تحسين الكفاءة في استخدام هذه الموارد.
وكان مجلس الوزراء قد صادق على الاتفاقية خلال جلسته الأخيرة، معتبرًا إياها خطوة جوهرية في طريق تحقيق التغطية الصحية الشاملة للمواطنين، مع إمكانية توسيع نطاقها مستقبلًا لتشمل فئات إضافية.