اراء وأقلام

ما الحل اليوم بعد عجز مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة عن إيقاف جرائم إسرائيل ..؟ المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات….

بوست نيوز :-

أن محكمة العدل الدولية تعد الجهاز القضائي الرئيس للأمم المتحدة، وتختص طبقاً لأحكام القانون الدولي بالفصل في النزاعات القانونية ألتى تنشأ بين الدول، وتقديم آراء أستشارية في شأن المسائل القانونية ألتي قد تحيلها إليها أجهزة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة، لذا فأن المجتمع الدولي وعلى رأسه الأمم المتحدة، ملزم اليوم بالعمل السريع والجاد لأستعادة الثقة بمنظوماته وأدواته القضائية والسياسية، من خلال التصدي الحازم للأنتهاكات الإسرائيلية، وفرض تدابير عقابية بموجب ميثاق الأمم المتحدة والفصل السابع لوقف العدوان وحماية المدنيين، وإحالة الجرائم للمحاكم الدولية حتى لا يفلت مجرمو الحرب الإسرائيليون من العقاب، وكي يستعاد الثقة في النظام الدولي، وما يزيد من تآكل صدقية النظام الدولي، هو موقف بعض الدول الكبرى المنحازة لإسرائيل مثل الولايات المتحدة الأمريكية، ألتي تستخدم الفيتو بصورة ممنهجة لإجهاض أية محاولة لإصدار قرارات تدين الإحتلال الإسرائيلي أو تفرض عليه عقوبات دولية، بل وتدرس فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية جراء محاولتها محاسبة مجرمي الحرب الإسرائيليين، على رغم تأثر المحكمة بسبب التهديدات ومحاولة تسييس قرارتها، في وقت لم تسلم المحكمة الجنائية الدولية والمدعي العام كريم خان من التهديدات بــ العقاب في حال دان إسرائيل، بحسب ما صرح به عديد من أعضاء الكونغرس الأميركي، ونددت دول غربية بما سمته مساواة بين حركة حماس وإسرائيل، بعد طلب كريم خان إصدار مذكرات إعتقال في حق ثلاثة من قيادات الحركة إلى جانب رئيس الوزراء ووزير الدفاع الإسرائيليين، ومن جانبه كان قد حذر المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية الأفراد الذين يهددون بالأنتقام من المحكمة وموظفيها، مؤكداً أن ذلك يمكن أن يشكل هجوماً على العدالة ، وأشار إلى أن إستقلال وحياد المحكمة يتم تقويضه بالتهديدات باتخاذ إجراءات إنتقامية في حال إتخاذ قرارات في التحقيقات ألتى تجريها، داعياً إلى وضع حد فوري لـ محاولات العرقلة أو التخويف أو التأثير بصورة غير مبررة على مسؤوليها، لذا يمكن القول بأن صدقية النظام الدولي على المحك، لأن الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية قراراتها ومناقشاتها من دون تأثير حقيقي على الممارسات الإسرائيلية اللاإنسانية في حق الفلسطينيين، بل زادت من العنف والأعتداءات والمجازر بعد أن كانت إسرائيل قد وجدت من يدعمها في مجلس الأمن الدولي بالقرارات المناصرة لسياساتها في مواجهة حركة حماس وتدمير غزة بالكامل، فالدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية تدعم إسرائيل بالسلاح والذخيرة والأموال وبالتالي ستستمر في عدوانها مما يعرض صدقية النظام الدولي للأنهيار، ويمكن وصف النظام الدولي حالياً بأنه أشبه بحالة الضعف ألتي مرت بها عصبة الأمم في الفترة ألتى سبقت الحرب العالمية الثانية وعجزها عن إنهاء النزاعات الدولية، فمجلس الأمن والأمم المتحدة يكرران الأمر نفسه الآن وغير قادرين عن إيقاف إسرائيل عن الحرب، وتبقى التساؤلات المثارة في شأن مستقبل النظام الدولي في ظل إزدواجية المعايير ألتى يمارسها مجلس الأمن الدولي مع إسرائيل، إذ يناشد إيقاف أي حرب ومع ذلك لا تستجيب إسرائيل ولا يؤخذ أي إجراء في شأنها، خاصة وأن الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي هدف تأسيسهما كان فض المنازعات بالطرق السلمية، وعلى الرغم من ذلك هما عاجزان عن إنهاء حرب غزة على رغم مناشدات الموظفين الدوليين في الأونروا لهما لكن من دون طائل، مما يعني أن دورهما ينهار مع الوقت، كما أن هاتين المحكمتين ليس من أختصاصهما إيقاف الحرب أو التدخل والتنفيذ، بينما ذلك شأن مجلس الأمن الدولي، وفي كل مرة حق الفيتو لأي دولة من الدول الخمس الكبرى يوقف أي قرار لمصلحة إيقاف الحرب في غزة، ومن هنا تتصاعد الأزمة ويظل النظام الدولي من دون تأثير حقيقي لأن إسرائيل تجد من يدعمها من الدول ألتي لها حق النقض، والصوت الواحد يوقف قراراً حتى لو أتفق الأعضاء بالكامل، لذا يمكن القول بأنه من الصعب للغاية تغيير النظام الدولي في الأمم المتحدة لأن ذلك يتطلب موافقة الدول الخمس الكبرى، وصدقية النظام الدولي لم تتأثر بعضو مارق كإسرائيل، حتى وإن لم تحترم وتنفذ القرارات الصادرة عن المنظمات الدولية ذات الصلة كمجلس الأمن ومحكمتي العدل الدولية والجنائية الدولية، وإنما صدقية النظام الدولي مستمدة من القرارات ألتي تتخذ ضد إسرائيل، وأن مجلس الأمن ضيق الخناق على تل أبيب حتى ولو لم يمنع إجرامها، أما عن تطبيق القرارات بالقوة، فيمكن القول بأن مجلس الأمن يمكنه إستخدام القوة لتنفيذ قراراته تحت بند الفصل السابع من الميثاق الأممي، لكني كمراقب أستبعد لجوء مجلس الأمن لضرب إسرائيل لأنه غير واقعي فهي دولة نووية، فضلاً عن الدعم الأميركي والأوروبي الكامل لها، كما أن هناك تداعيات سياسية لتجاهل إسرائيل القرارات الدولية أبرزها تراجع الغرب عن الدعم اللامحدود، وكذلك تعليق واشنطن شحنات أسلحة إلى تل أبيب، مؤكداً أن ذلك التغير وإن كان تدريجاً لا يمكن التقليل من آثاره، وكان قد أستخدم الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة سابقاً لتنفيذ قرارات بحق بعض الدول، إذ أرسلت قوة شرطية متعددة الجنسيات لأستعادة النظام في هايتي في تشرين أول/أكتوبر 2023، كما جرى إنشاء المحكمة الخاصة بلبنان ألتى قامت بالتحقيق في قضية إغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق الشهيد رفيق الحريري، وفي عام 2006، منعت إيران من توريد الأسلحة إلى دول أخرى بموجب الفصل السابع، مما أدى إلى فرض عقوبات دولية صارمة عليها، ولم يكد الحبر الذي كتب به قرار محكمة العدل الدولية لوقف العملية العسكرية الإسرائيلية في رفح يجف، حتى كانت قذائف الجيش الإسرائيلي تحرق خيام النازحين وتقتل العشرات في أحد مخيمات النازحين بالمدينة الواقعة أقصى جنوب قطاع غزة، في ما بدا أنه دليل جديد على تحدي إسرائيل للنظام الدولي بمؤسساته المختلفة، وعلى الرغم من تزايد الإدانات ألتي تحولت لأتهامات تبعتها إجراءات قانونية دولية في حق إسرائيل وقادتها، فإن إستمرار الحرب دفع المتابعين للتساؤل عن أية صدقية يمتلكها نظام دولي لا يملك أدوات فرض قراراته، فطلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرات إعتقال في حق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت يتوقف تنفيذه على مدى إستعداد الدول لتنفيذ مذكرة الأعتقال، في وقت يحتاج تنفيذ قرار من محكمة العدل الدولية إلى تدخل مجلس الأمن الذي شهدت أروقته إستخدام الولايات المتحدة حق النقض الفيتو ثلاث مرات منذ إندلاع الحرب على غزة لحماية إسرائيل من أية قرارات تدعو لوقف فوري للحرب، وكان قرار محكمة العدل الدولية الذي صدر تلبية لطلب من دولة جنوب أفريقيا، يأمر إسرائيل بوقف هجومها على مدينة رفح جنوب قطاع غزة، إضافة للعمل على فتح معبر رفح واتخاذ التدابير اللازمة لضمان وصول المحققين من دون عوائق إلى القطاع، وكان عدم اكتراث إسرائيل بقرار المحكمة الذي أثبتته هجماتها على النازحين المدنيين، سبقته تصريحات من مسؤولي تل أبيب تؤكد عدم الإعتداد بقرار أكبر كيان قانوني دولي في إطار الأمم المتحدة، واعتبر مكتب النتن ياهو الإتهامات الموجهة لإسرائيل في محكمة العدل الدولية كاذبة و”مشينة “، في وقت رأى الوزير في حكومة الحرب بيني غانتس أن جيش بلاده يعمل وفق القانون الدولي مع ضمان أقصى قدر ممكن من الحماية للسكان المدنيين ليس بسبب محكمة العدل الدولية، ولكن بسبب هويتنا والقيم التي ندافع عنها، قرار محكمة العدل الدولية أعتبر أختباراً لمدى إحترام الدول والمؤسسات القانون والنظام الدوليين، وقال مسؤول السياسة الخارجية في الإتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إن الإتحاد سيتعين عليه الإختيار بين دعم احترام المؤسسات الدولية المعنية بسيادة القانون ودعم إسرائيل، كما أكد وزير الخارجية النرويجي إسبن بارت إيدي بأن احترام المحكمة ووظائفها أمر ضروري لتعزيز القانون الدولي والنظام القانوني الدولي”، كذلك قالت وزارة الخارجية التركية إنه : لا توجد دولة في العالم فوق القانون، داعية مجلس الأمن الدولي إلى القيام بدوره، وعلى الرغم من الصفة الإلزامية لقرارات محكمة العدل الدولية لكل الدول الأطراف في الأمم المتحدة وكونها نهائية لا يجوز الطعن فيها، فإن منح القانون الدولي مجلس الأمن سلطة معاقبة الدول ألتي لا تلتزم بقرارات المحكمة يجعل إسرائيل في مأمن نسبياً عن أية عقوبات من المجلس، في ظل وجود الولايات المتحدة الحليفة الرئيسة لإسرائيل، والتي أستخدمت حق الفيتو أربع مرات لمصلحة تل أبيب منذ السابع من تشرين أول/أكتوبر 2023، ثلاث منها لوقف قرارات تدعو لوقف الحرب، وواحدة لمنع منح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، مخالفة إسرائيل لقرارات المحكمة بعد نحو 48 ساعة من إصدارها كان قد وصفه المتخصصين في مجال القانون الدولي العام بأنه يمثل إستهتاراً خطراً بالقانون الدولي الإنساني، ويقوض الثقة بالمؤسسات الأممية المنوط بها حفظ السلم والأمن وحماية حقوق الإنسان، وأن قيام إسرائيل بأرتكاب مذبحة رفح في حق المدنيين العزل بعد أيام قليلة من صدور حكم تاريخي من محكمة العدل الدولية يلزمها بوقف أعمال العنف والعدوان في غزة، يعد تحدياً سافراً لسلطة أعلى هيئة قضائية دولية، وازدراءاً صارخاً لمبادئ العدالة الدولية وقواعد القانون الدولي الإنساني، كما أن عدم أمتثال إسرائيل لقرار المحكمة، واستمرارها في إرتكاب فظائع بشعة ضد المدنيين الفلسطينيين، بما في ذلك قصف مراكز إيواء النازحين والمستشفيات، من شأنه التقليل من هيبة محكمة العدل الدولية كأعلى سلطة قضائية في العالم، وتقويض صدقيتها في إنفاذ العدالة وحماية حقوق الضحايا، ويبقى تقاعس المجلس عن إتخاذ إجراءات حازمة وعقابية لإجبار إسرائيل على الأنصياع للقانون الدولي وتنفيذ أحكام محكمة العدل الدولية، يمثل ضربة قاصمة لدور المجلس في حفظ الأمن والسلم الدوليين كما ينص ميثاق الأمم المتحدة، كما أن صمت الأجهزة الدولية الرئيسة المطبق حيال تمادي إسرائيل في جرائمها اليومية ضد الشعب الفلسطيني، وعدم محاسبتها وفرض عقوبات عليها جراء إنتهاكاتها الخطرة والمتكررة للقانون الدولي الإنساني، يقوض ثقة دول العالم في المنظومة الأممية، ويجعلها عرضة للأنتقاد والإتهام بعدم الحياد والكيل بمكيالين والأزدواجية في المعايير .

المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى