
في الوقت الذي تخصص فيه العديد من دول العالم ميزانيات ضخمة للتعامل مع آثار التغير المناخي، اختار المهندس محمد طبنجة أن يبدأ من الصفر، من داخل حجرته الصغيرة في منزله، حيث راح يفكر في حلول عملية تنبع من خبرته في الهندسة الجيولوجية والجيوتقنية، وتجربته السابقة في مجال إعادة التدوير. هكذا وُلدت فكرة مشروع يجمع بين السياحة البيئية والاستدامة.
يقول طبنجة: “كنت أستمع لصديق يتحدث عن رغبته في إنشاء منتجع بيئي، فاقترحت عليه فكرة مشروع متكامل مبني من النفايات. في البداية بدت له الفكرة غير واقعية، لكنني أقنعته بقدرتي على تنفيذ المشروع مع توفير أكثر من نصف التكاليف، وهنا بدأت رحلة التحدي.”
بدأ طبنجة بجمع شباب القرية، معظمهم من العاطلين عن العمل، وطرح عليهم فكرة جمع النفايات مقابل أجر مالي. لم يكن المطلوب فقط الأكياس البلاستيكية، بل كل أنواع المخلفات الممكنة: نايلون، بقايا بناء، معادن، زجاج، طعام فاسد، وحتى الحجارة المكسرة. وفعلاً، خلال أشهر، باتت القرية شبه خالية من النفايات.
يقول “أبو الأمير” (45 عامًا)، أحد أبناء القرية ومدير المشروع حاليًا: “في البداية كنت مترددًا، بل شعرت بالخجل من فكرة جمع النفايات، لكن عندما رأيت المهندس طبنجة بنفسه يبحث عن النفايات قرب الحاويات، قررت أن أشارك. اليوم، أستطيع أن أحوّل أي قطعة نفايات إلى تحفة فنية، وبأقل التكاليف.”
قام طبنجة بعد جمع النفايات بفرزها ومعالجتها باستخدام خلطات خاصة من إنتاجه، تضمن متانتها ومقاومتها للظروف الجوية، وتقلل الحاجة للصيانة بشكل كبير، مما ساهم في خفض تكلفة البناء بأكثر من 50%.
كل زاوية في “قمر بيلا” تروي قصة: ثلاجات قديمة تحوّلت إلى أعمال فنية، علب بلاستيكية أصبحت نوافير، جذوع أشجار ميتة تحولت إلى قواعد أرضية، وقطع قماش ممزقة تحولت إلى شلالات صناعية. الكهوف والمغارات التي تراها ليست سوى علب فارغة معاد تشكيلها بطريقة يصعب تصديقها لولا أن يُقال لك إنها من نفايات.
أصبح “قمر بيلا” أول مشروع بيئي سياحي في المنطقة، ومتنفسًا للأهالي الذين كانوا يفتقرون لأماكن ترفيه واستجمام، فضلًا عن كونه خيارًا لإقامة المناسبات والأفراح. لم يعد المشروع مجرد فكرة جريئة، بل تجربة واقعية تلهم مناطق أخرى في المملكة.