اراء وأقلام

كيف يصبح القهر منبعا للشرور؟ بقلم مها البديني

بوست نيوز :-

عندما تسافر إلى الخارج فإنك ترى نظرة مختلفة عن قراءة المجتمعات العربية في نظرة المثقفين بالخارج حيث وصفت كثيرا بأنها مجتمعات متخلفة وعنصرية، ولكن ياترى لماذا هذا الوصف هل هو بسبب تدنى المستوى الفكري والثقافي أم تدنى المستوى في العلاقات الإنسانية، أم بسبب تدني المستوى المادي؟

يقول الدكتور مصطفى حجازي في كتابة في القيم “التخلف الاجتماعي، مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور” أن هناك رؤية مغايرة لمفهوم التخلف، إذ يرى أن المجتمعات المتخلفة هي تلك المحكومة بعلاقات القهر والتسلط وما ينتج عنها من الوصول إلى شعور الإنسان بالقهر، وليس لها علاقة
بتدنى الراتب أو نقص الخدمات بشكل مباشر، ولكن يعني القهر أنه العلاقة التي تظهر في مختلف المعاملات الإنسانية من فرض الأفكار والعقوبات وفرض الحركة والكلام وصولا إلى فرض المشاعر.

وبدأت الكتابة بغزارة في قضية التخلف وذلك مع بدء حركات الاستقلال في خمسينيات القرن الماضي، نظرا لأن جل الدول التي حصلت على استقلالها كانت ضمن ما يطلق عليه دول العالم الثالث، وهو مادعى لبزوخ الكتابة في هذه القضية.

ومع انتشار هذه الكتابات فإنها اقتصرت فقط في تعريفاتها على جوانب التخلف الاقتصادي والصناعي، دون التدخل في معاني القهر الفكري والتغلغل في معانيه، وكل ذلك أدى إلى التضليل في المعنى الحقيقي للقهر حيث لم يعد هناك متسع لعلماء الاجتماع والقادة السياسيين في البحث عما وراء المعنى الحقيقي للقهر والتخلف ، والاكتفاء بما جاء من نظريات مكتوبة في الجزء الاقتصادي والصناعي فخططوا لعلاج التخلف باستيراد أفكار من مجتمعات متحضرة، وأنفقوا ببذخ على مشروعات تنموية فشلت جميعها، لإن الأصل مع التطوير المادي هو التطوير الفكري والمعنوي والتراثي والحضاري.

ومع تلك التعريفات المادية البحتة لمعاني القهر الإنساني، لم يتم التطرق للأصل في التعريفات إلى المكون الإنساني والرئيس والممزوج في المجتمعات، والمحكوم بقواعد نفسية وعقلية وعلاقات متباينة قد تجعل منه قوة مقاومة لعملية التنمية والتغيير.

فالمجتمع المتخلف ليس المجتمع المتدنى الخدمات أو الدخل فقط، إنما هو الإنسان المقهور من الطبيعة والمستكين لزمام السلطة في مجتمعه الذي يفرض عليه الرضوخ لهم مما يؤدي إلى ظهور علاقة القهر والتسلط من ناحية وردة الفعل عليها رضوخا أو تمردا من ناحية أخرى.

وتغذي مشاعر القهر في حياة الإنسان العديد من المشاعر والأفكار والتصرفات، فينعدم عنده الشعور بالأمان ويسيطر عليه إحساس العجز عن
التحكم في مصيره، وقد يجد نفسه راضخا بالتبعية خوفا من الديكتاتور، فيقع في شباك الدونية والاحتقار الذاتي دونا عن إرادته وكأنه قدرا محتوما، وذلك بمحاولة الإحتماء من شر القوى الحاكمة، المسيطرة، القاهرة و العارفة بالغيبيات، ويساعد.كل ذلك على تفشي النفاق والفساد، وانتشار ثقافة الرضا بين المقهورين.

هذا هو عالم المقهورين، فالعقاب صارم ضد فكر المواجهة أو التمرد، إنه عقاب يرسخ فيه المستبد لواقع تفوقه واستحقاقه للسيادة على هذا الكائن الذي لم يعد إنسانا بل مجرد تابع مستباح.

الإنسان المقهور هو شخص منهك نفسيا يفقد شيئا بداخله في كل مرة يواجه فيها سيده، حيث تنعدم علاقة التكافؤ بينه وبين من يتملك أمره، و يتحول من “إنسان” إلى “شيء” في نظر نفسه وفي نظر المتسلط، فينهار الرابط الإنساني وتنهار معه كل القيم الإنسانية بداخله في تعاملاته مع من حوله بالمجتمع.

و لا عجب أن نجد نموذج “القاهر”و”المقهور” مكررا في علاقات إنسانية حميمة كالعلاقة بين الرجل والمرأة، والمقاول والعامل، الرئيس، والمرؤوس.

وهكذا نرى تلك الحالة في السلطة كأمر طبيعي مع التسلسل للقهر حتى نصل به مع جميع العلاقات لتشمل الإنسان بالإنسان والحيوان وحتى الجمادات.

وهنا يعيش الإنسان المقهور في في مجتمع متخلف تحت شعار التسلط والرضوخ، في عالم ملىء بالعنف النفسي والمعنوي والفكري والتي تليها كوارث متعددة مع شريك أو حاكم متسلط ليشبع رغبته في التحكم.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى