اراء وأقلام

لماذا يسقط الأردن المسيرات الإيرانية؟ بين السيادة والحكمة الجيوسياسية بقلم: ثائر عاشور

بوست نيوز :-

خلال الأيام الماضية تكررت مشاهد إسقاط الدفاعات الجوية الأردنية لمسيرات قادمة من الشرق تحديدًا من اتجاه العراق وسوريا والمرتبطة على الأرجح بالتصعيد القائم بين إيران وإسرائيل هذه الحوادث أثارت تساؤلات كثيرة لماذا يسقط الأردن هذه المسيرات رغم أن الاحتلال الإسرائيلي لا ينفذ ضرباته من الأراضي الأردنية بل من سوريا أو العراق ولماذا كل هذا الإصرار من المملكة على منع مرور أي طائرة دون إذن الإجابة ليست فقط فنية بل سياسية واستراتيجية من الدرجة الأولى

الأردن ومنذ تأسيسه حرص على التوازن في علاقاته الخارجية وعدم التورط في صراعات الآخرين واليوم أكثر من أي وقت مضى يتمسك بهذا المبدأ فالرسالة التي وجهها الأردن واضحة ومباشرة لا أحد يستخدم أجواءنا لتمرير رسائل حربية أو لتصفية حسابات وما من مسيّرة تعبر أجواءنا دون أن تعتبر خرقًا صريحًا للسيادة في ظل هذا كان لا بد من تفعيل قواعد الاشتباك سواء كانت تلك المسيرات متجهة إلى فلسطين المحتلة أو عائدة منها

المعطى الفني يقول إن الاحتلال الإسرائيلي يفضل تنفيذ ضرباته ضد أهداف إيرانية أو وكلائها من خلال المجال الجوي السوري أو العراقي لأسباب تتعلق بالكلفة العسكرية والسهولة التشغيلية إذ أن هذه المسارات تسمح للطائرات أو الصواريخ والطائرات المسيّرة بأن تكون أكثر فاعلية من حيث الوقود والسرعة والمناورة لكن هذا لا يبرر أن تكون أجواء الأردن ممراً آمناً لأي طرف

الأردن لا يسمح أن يكون طرفًا في حرب غيره ليس له مصلحة في التصعيد ولا يريد أن يُجر إلى صراع إقليمي قد يتسبب في زعزعة أمنه الداخلي أو التأثير على مصالحه الاقتصادية والسياسية وهذا الموقف لا يعني حيادًا سلبيًا بل هو حياد نشط وواعٍ يدافع عن المصلحة الوطنية الأردنية فوق كل اعتبار

من الناحية العسكرية لا يمكن لأي دولة محترمة أن تقف مكتوفة الأيدي وهي ترى أجواءها تُستخدم في عمليات هجومية أو تمرير معدات عسكرية هناك احتمال دائم أن يكون في هذه المسيّرات تهديد مباشر للأراضي الأردنية أو أن يؤدي مرورها إلى ردود فعل انتقامية في حال أصابت أهدافًا انطلقت من فوق الأردن لذا إسقاطها ليس فقط قرارًا سياديًا بل ضرورة أمنية بحتة

من خلال إسقاط هذه المسيرات يوجه الأردن رسائل قوية لكل من يحاول الزجّ به في حسابات لا تعنيه لإيران لا تختبروا صبر الأردن ولا تظنوا أنه سيتغاضى عن أي خرق لأجوائه لإسرائيل لا تعتقدوا أن الأردن سيكون شريكًا صامتًا أو ممرًا لعملياتكم وللولايات المتحدة والغرب الأردن مستقل في قراراته ولا يُدار عن بُعد

في وقت تتعالى فيه طبول الحرب ويحتدم الصراع بين قوى إقليمية كبرى يثبت الأردن أنه صاحب قرار وطني حر يعرف متى يصمت ومتى يتحرك إسقاط المسيرات رسالة هادئة لكنها صارمة لا تستخدموا أرضنا ولا أجواءنا ولا تجرونا إلى حروبكم فنحن نعرف أين نقف ونعرف متى نرد

السيادة الأردنية ليست محل تفاوض والأمن الوطني ليس ورقة بيد أحد

وعلى الأصوات التي لا تحمل رؤوسًا أن تصمت إن كانت لا تعرف في الحرب ولا في السياسة فالأدوار للدول ذات السيادة لا لمن يثرثرون من خلف الشاشات فإن كانت ثرثرتهم لا تتجاوز الطبخ أو الرقص أو ما شابه فليكتفوا بذلك الأردن لم يكن خائنًا يومًا ولن يكون ولم ولن يتخلى عن دوره في دعم إخوته لكنه يفعل ذلك بالطرق التي يراها مناسبة وبما يحفظ أمنه واستقراره وكرامته

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى