الملك يلقي خطابا أمام البرلمان الأوروبي

ألقى جلالة الملك عبدالله الثاني، اليوم الثلاثاء، خطاباً مهماً أمام البرلمان الأوروبي في مدينة ستراسبورغ الفرنسية، حذر فيه من الانحدار الأخلاقي الخطير الذي يشهده العالم، ومن تفاقم الأزمات في منطقة الشرق الأوسط وعلى رأسها العدوان على غزة واتساع رقعة الصراع ليشمل إيران.
وأكد جلالته أن ما يجري في غزة من انتهاكات صارخة يتنافى مع القانون الدولي والمعايير الأخلاقية، مشيراً إلى أن الفلسطينيين، كغيرهم من الشعوب، لهم الحق في الحرية والسيادة وإقامة دولتهم المستقلة. ولفت إلى أن استمرار الانتهاكات في الضفة الغربية، وتفاقم الأوضاع بشكل يومي، يعمّق معاناة الشعب الفلسطيني.
وأشار الملك إلى أن توسيع إسرائيل لهجماتها لتطال إيران ينذر بتصعيد خطير يصعب التنبؤ بمآلاته، ويهدد أمن الشعوب في كل مكان، مطالباً المجتمع الدولي بالتحرك الحاسم قبل فوات الأوان.
وقال جلالته: “نحن نعيش موجة تلو الأخرى من الاضطرابات، وقد بات من الواضح أن عالمنا يفتقد بوصلته الأخلاقية”، محذراً من أن القيم التي كانت تشكل الأساس للمنظومة الدولية أصبحت عرضة للانهيار، بينما تتراجع روح الاعتدال أمام تصاعد التطرف.
وفي سياق حديثه عن جذور القيم المشتركة، أشار الملك إلى الدور التاريخي لأوروبا في إعادة بناء منظومتها بعد الحرب العالمية الثانية، معتبراً أن تلك التجربة تؤكد أن السلام الحقيقي لا يُبنى بالقوة، بل بالقيم والاحترام والتعاون. وأضاف: “ما يجمعنا كعالم أكبر بكثير مما يفرقنا، وعلى هذه القيم يجب أن نبني استجابتنا لتحديات اليوم”.
وجدد جلالته التذكير بالوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، مؤكداً التزام الأردن التاريخي بحماية هوية المدينة متعددة الأديان، استناداً إلى العهدة العمرية والمبادئ الإنسانية التي أرستها اتفاقيات جنيف لاحقاً.
وتحدث الملك عن التحديات التي مرت بها الإنسانية خلال السنوات الماضية، من جائحة كورونا إلى الحرب في أوكرانيا، ثم الحرب المدمرة على غزة، مشدداً على أن ما نواجهه اليوم ليس مجرد أزمة سياسية بل أزمة هوية إنسانية وقيمية.
وأوضح جلالته أن الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة، والتي تضمنت استهداف المستشفيات والمراكز الصحية، باتت تُعامل كأحداث عادية، رغم أنها تمثل جرائم ضد الإنسانية. وقال: “كيف يمكن أن يتحول ما كان يُعد عملاً وحشياً إلى أمر مألوف؟ كيف سمحنا باستخدام المجاعة كسلاح؟ أو باستهداف المدنيين والعاملين في القطاعات الإنسانية؟”
ودعا الملك إلى وقفة عالمية جادة، معتبراً أن الصمت والتقاعس عن الفعل الحاسم يجعلان المجتمع الدولي شريكاً في طمس الحدود الأخلاقية. وقال: “إذا استمرت الجرافات الإسرائيلية في هدم منازل الفلسطينيين وبساتين الزيتون، فهي تهدم أيضاً حدودنا الأخلاقية.”
وأكد الملك أن الحل الوحيد الممكن للصراع هو التوصل إلى سلام عادل وشامل يستند إلى القانون الدولي والاعتراف المتبادل، وأن دعم تنمية الشرق الأوسط يمثل أولوية لتحقيق الاستقرار العالمي. وأضاف: “عندما يغيب الأمل، فإن تداعيات ذلك تتجاوز حدود الدول”.
واختتم جلالة الملك خطابه بالتأكيد على أن الأردن سيبقى شريكاً قوياً لأوروبا في السعي لتحقيق الأمن والاستقرار، قائلاً: “لقد اخترنا طريق السلام من قبل، ويمكننا أن نختاره مجدداً، إذا تحلينا بالشجاعة والإرادة اللازمة للسير فيه معاً”.
رافق جلالة الملك في زيارته إلى البرلمان الأوروبي وفد رسمي ضم نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي، ومدير مكتب جلالة الملك المهندس علاء البطاينة، وسفير الأردن لدى بلجيكا ورئيس بعثة المملكة لدى الاتحاد الأوروبي يوسف البطاينة.