اراء وأقلام

برجس احمد الشرعاوي الزيود يكتب .

بوست نيوز :-

في ظل الأحداث المتسارعة في المنطقة، يذهب البعض إلى اعتبارالصراع الإيراني-الإسرائيلي مجرّد نزاع ناتج عن السعي لامتلاك أسلحة دمار شامل، وأنّه ذو أبعاد ونتائج إقليمية محصورة. إلا أن الواقع، على العكس تمامًا، يكشف عن صراع تتجاوز أبعاده حدود الجغرافيا، ليكون أداة من أدوات الحرب بالوكالة، ووسيلة تسلكها الولايات المتحدة لتحقيق أهدافها الإمبريالية في المنطقة.

فالصراع الإيراني-الإسرائيلي ليس سوى واجهة لصراع أعمق بين المشروع الأميركي في الشرق الأوسط ومحاولات القوى الدولية الأخرى ــ وعلى رأسها الصين وروسيا ــ تعزيز نفوذها الاستراتيجي. إيران، في هذا السياق، ليست الهدف بحد ذاته، بل محطة ضمن مسار طويل لاستنزاف خصوم واشنطن، من خلال استهداف حليفتهم الإقليمية ومحاصرة نفوذهم في البوابة الجيوسياسية الأخطر في العالم: الشرق الأوسط.

وما نشهده اليوم ليس بالأمر الجديد؛ فقد سبقته حرب العراق، التي شُنّت بذريعة امتلاك أسلحة دمار شامل، وانتهت بتفكيك الدولة العراقية وإسقاط نظام الرئيس صدام حسين، دون أن يظهر أي دليل حقيقي يثبت تلك المزاعم. واليوم، تُعاد الكرّة مع إيران، وسط مخاوف حقيقية من أن تكون المحطة القادمة إحدى الدول العربية.

من هنا، فإنني ــ كمواطن عربي يرى المشهد بعين الناقد المدرك ــ أجد نفسي أقف، ولو رمزيًا، إلى جانب إيران لا حبًا في سياساتها، بل دفاعًا عمّا تبقى من كرامة هذه الأمة، وغَيرةً على بلادي من أن تكون التالية في مسلسل الاستنزاف والهيمنة. وهنا لا بد من الإشادة بموقف الأردن، الذي لطالما اتسم بالحكمة والاتزان في التعامل مع مثل هذه الصراعات، مقدّمًا مصلحة الأمة على المصالح الضيقة، ورافضًا الانخراط في مشاريع التبعية أو التورط في أدوات التصعيد. فقد بقي الأردن، بقيادته الهاشمية الواعية وشعبه الوفي، صوتًا عاقلًا في زمن الفوضى، ومدافعًا صادقًا عن القضايا العربية دون مزايدة، رغم محاولات أطراف النزاع جره إلى صراعات لا ناقة له فيها ولا جمل، لكنه ظلّ ثابتًا على موقفه، محذّرًا من تكرار سيناريوهات الخراب التي عصفت بجوارنا.

علينا اليوم أن نكون أكثر وعيًا، وأشد رفضًا للروايات الجاهزة التي تُسوّق لنا من خارج المنطقة. فالصراع لم يعد بين دولتين، بل بين مشروعين: أحدهما يسعى إلى الهيمنة، والآخر، رغم ما فيه من ضعف وتناقض، لا يزال يحاول أن يقاوم السقوط.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى