لماذا الأردن ؟؟ د. دانييلا القرعان

بوست نيوز :-
في خضمّ التصعيد المستمر والعمليات العسكرية الظالمة على قطاع غزة، واستمرار الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الغزي، ظهرت حملات إعلامية مشبوهة، باتت تستهدف الدور الأردني ليس فقط لتقويض دوره ومواقفه الإنسانية في إسناد وتقديم شتى المساعدات لقطاع غزة المحاصر، بل لتشويه صورته دوليًا وضرب مصداقيته أمام الرأي العام العربي والعالمي. وما يرفع من مستوى خطورة هذه الحملات الممنهجة والمدروسة والتي باتت تبث السموم في العقول والأفكار، محاولة منها للنيل من الأمن الوطني، ومن سيادة الدولة الأردنية، والتشكيك المستمر الذي لا يتوقف، هو استنادها إلى منصات إعلامية مرتبطة بتنظيمات خارجية، تستخدم سرديات مشحونة بالتشويه والتحريض، لتأليب الداخل الأردني وبث الشكوك. هذه الحملات التي تتلاقى فيها مصالح أطراف أيديولوجية، وتنظيمات سياسية ذات تاريخ مضطرب مع الأردن، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، تكشف عن مساعٍ منظمة لزعزعة الثقة بالدور الأردني الأخلاقي والدبلوماسي الذي ظل ثابتًا راسخًا لا يتزحزح طوال السنين في نصرة الشعب الفلسطيني، والدفاع عن حقوقه المشروعة، وحقه في إقامة دولة فلسطينية حرة مستقلة، والدفاع عن القضية الفلسطينية والتي تشمل محور القضايا وأهمها على الصعيد الوطني والإقليمي.
تتقاطع هذه الحملة من حيث التوقيت والمضمون مع خطاب يتبناه الإحتلال الإسرائيلي منذ بداية الحرب، يسعى إلى تقويض أي جهد يرسّخ بقاء الفلسطينيين على أرضهم ويعرقل سياسات التهجير الممنهجة التي تنفذها سلطات الاحتلال.
لذلك وفي ضوء الحرب الإعلامية النكراء والمزاعم الفارغة والتي لا تستند إلى أي أساس وفي ضوء الحملات المسعورة التي يتعرض لها الأردن، يجب التصدي لهذه المزاعم والحملات ومواجهتها بحزم وشفافية، وتعزيز الرواية الأردنية القائمة على الفعل، وعلى الإلتزام الإنساني بما يليق بدور الأردن التاريخي في دعم القضية الفلسطينية. لماذا الأردن؟ يعلم القاصي والداني أن السياسة الأردنية وحراكها الدبلوماسي الدولي، شكّل اختراقًا واضحًا للرواية الصهيونية القائمة على الخداع والتزييف، وهو ما حقق تأثيرًا قويًا في الأوساط السياسية الدولية والرأي العام العالمي في كشف جرائم الاحتلال الإسرائيلي وأفعاله التي تتنافى مع المعايير والقوانين الإنسانية والشرعية الدولية، كما أن ما قدمه الأردن للعالم من حقائق، فضحت منظومة الاحتلال القائمة على الإبادة وهندسة التجويع للغزيين، وتهجيره، وما قامت به الدولة الأردنية أعادت تسليط الضوء على القضية الفلسطينية في الرأي العام العالمي، وباتت تتصدر غلاف أهم الصحف والمجلات العالمية الاكثر تأثيرًا للرأي العام العالمي.
وعند الحديث عن فاعلية الإستراتيجية الأردنية، وخطابها المنطقي، فإن السياسة الأردنية تمتلك القدرة الكافية على كشف الحقائق، وما أثارته من ردود فعل ساخطة لدى الكيان، وبعض الأطراف التي تسعى لتقويض الدور الأردني، إلا أن الأردن ما يزال ملتزمًا بمبادئه ومواقفه المشرفة التي لا تتغير، بشأن عدالة القضية الفلسطينية، ورفضه للحرب العدوانية على غزة، ومناهضته لسياسات التجويع والإبادة والتهجير التي يرتكبها الكيان الصهيوني. ما يتعرض له الأردن اليوم من هجمات وحملات ممنهجة ليس وليد الصدفة، بل هو نتيجة تراكمية لعوامل عدة، ومن ناحية أخرى يعلم أصحاب الأجندات الداخلية والخارجية المدسوسين، أن الأردن كدولة تتمتع بمرونة عالية، ما يجعله هدفا سهلًا لهذه الهجمات حسب معتقداتهم، لذلك يجب العمل على رواية مضادة، تحقق حضورًا قويًا للدور الأردني في العالم، ومواجهة حملات التضليل في سياق منطقي، ممنهج، يفكك مزاعم هذه الحملات الكاذبة. ولا ننسى الهجمات التي استهدفت سفارات أردنية قبل أيام، ومحاولة تشويه الموقف الرسمي للأردن بشأن إغاثة غزة، يوضح أن ما يقوم به الأردن يقض مضاجع مهندسي هذه الحملات، ويفضحهم أمام المجتمع الدولي، ونؤكد أن سياسة الدولة الأردنية اعتادت على أن تكون “الأفعال أبلغ من الأقوال” ولكن في ظل الفضاء الإعلامي المفتوح، أصبحت هناك حاجة ماسة لتوثيق هذه الأفعال، فالأردن ومنذ الأزل كان مساندًا للقضية الفلسطينية، وهو ما جعله دائمًا هدفًا لحملات تضليل ممنهجة.
اليوم يجب اتباع سياسة الرد ومواجهة التشويه، من خلال ضرورة تخلي الأردن عن موقفه السابق بعدم الرد على الانتقادات، بل أن الرد الفوري والمباشر والمدروس أصبح ضرورة لمواجهة محاولات التشويه، وعلى الأردن أن يجهز وجهة نظر واضحة ومستمرة لمواجهة هذه الحملات، ولا ننسى أهمية رفع درجة الوعي الشعبي بما يقوم به وطنهم، بخاصة في ظل جهود جلالة الملك عبدالله الثاني السياسية والدبلوماسية، لتوحيد الرواية العالمية حول ما يرتكبه الكيان من جرائم إبادية في غزة.