صناعة الأفلام في الأردن.. بوابة الترويج السياحي وتحقيق العوائد الاقتصادية

بوست نيوز :
تُعَدّ صناعة الأفلام اليوم رافعة ثقافية واقتصادية تتجاوز دورها الفني، لتغدو أداة ترويجية وتسويقية مؤثرة للوجهات السياحية حول العالم. فالمواقع التي تظهر في الإنتاجات السينمائية الكبرى تترسخ في ذاكرة المشاهدين وتتحول إلى مقاصد سياحية تستقطب الزوار، وهو ما يُعرف عالميًا بـ “سياحة الأفلام”، التي أصبحت من أبرز محركات الطلب السياحي لِما لها من دور في زيادة أعداد السياح وإطالة مدة إقامتهم.
وأكد أكاديميون وخبراء في السياحة لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) أن أثر هذه الصناعة بات واضحًا في الأردن، حيث تحولت مواقع مثل وادي رم والبترا إلى وجهات عالمية جذبت اهتمام كبرى شركات الإنتاج، وانعكس ذلك على القطاع السياحي من خلال تنشيط الفنادق ووسائل النقل والخدمات المرافقة، إضافة إلى توفير فرص عمل مباشرة وغير مباشرة للشباب الأردني.
وقال الدكتور إبراهيم الكردي من كلية السياحة والفندقة في الجامعة الأردنية/ فرع العقبة، إن صناعة الأفلام تُعزز صورة الأردن عالميًا، وتدعم الاقتصاد الوطني، وتوفر فرص عمل للشباب، موضحًا أن “سياحة الأفلام” أصبحت إحدى الأدوات الترويجية الفاعلة للأردن كوجهة سياحية وثقافية، حيث تُعرض معالمه الطبيعية والتاريخية أمام ملايين المشاهدين حول العالم.
وأشار إلى أن مواقع مثل وادي رم والبترا تحولت إلى أيقونات سينمائية بعد ظهورها في أفلام عالمية ضخمة، ما أثار فضول المشاهدين وشجعهم على زيارتها، لافتًا إلى أن تنوع الأردن الجغرافي بين الصحراء والمواقع الأثرية جعله بيئة مثالية لتصوير مختلف أنواع الأفلام. وضرب مثالًا بمحمية وادي رم التي أصبحت موقعًا مفضلاً لأفلام الخيال العلمي مثل “المريخي” و”الكثيب”، فيما أضفت البترا طابعًا دراميًا على مشاهد من سلسلة “إنديانا جونز”. كما استضافت العقبة وعمان وجرش ومأدبا أعمالًا سينمائية عديدة، مدعومة بتسهيلات وإعفاءات من الهيئة الملكية للأفلام.
وبيّن الكردي أن كل إنتاج سينمائي ضخم يُقام في الأردن يضخ ما بين مليون وخمسة ملايين دولار في الاقتصاد المحلي، ويوفر مئات فرص العمل المباشرة وغير المباشرة في قطاعات النقل والضيافة والحرف اليدوية والإنتاج الفني، فضلًا عن استفادة المجتمعات المحلية من خلال عملها كمرشدين سياحيين أو مساعدين في الطواقم الفنية. وأضاف أن الأردن يسير نحو ترسيخ مكانته كمركز إقليمي لصناعة الأفلام عبر تطوير البنية التحتية السينمائية، وإنشاء الاستوديوهات، وتوسيع برامج الدعم الفني والمالي، وتشجيع الإنتاج المحلي، وبناء شراكات مع منتجين عالميين، إلى جانب الاستثمار في تدريب الكوادر الوطنية.
من جانبه، أكد أستاذ السياحة والفنادق في جامعة اليرموك الدكتور حكم شطناوي أن السينما والدراما أصبحتا من أقوى العوامل المؤثرة في قرار اختيار الوجهة السياحية عالميًا، حيث يتفوق تأثير الأعمال الفنية على وسائل التواصل الاجتماعي لدى شريحة واسعة من المسافرين. وأوضح أن الأردن استفاد من هذا التوجه عبر الهيئة الملكية للأفلام وهيئة تنشيط السياحة، إذ تحولت الأفلام العالمية المصوّرة في المملكة إلى أدوات ترويجية فعّالة، خصوصًا مع إقرار الحكومة عام 2025 حوافز مالية تضمنت استردادًا نقديًا يصل إلى 45% من الإنفاق داخل الأردن للإنتاجات الكبرى، ما عزز تنافسية المملكة إقليميًا ودوليًا.
وأشار شطناوي إلى توسعة استوديوهات “أوليفوود” التي افتتحها جلالة الملك عبدالله الثاني عام 2023، وإطلاق برامج تدريبية متخصصة لتأهيل كوادر محلية قادرة على الانخراط في هذه الصناعة، مؤكدًا أن الجمع بين الحوافز المالية وتطوير البنية التحتية وربط السينما بالمنتج السياحي والثقافي يعزز مكانة الأردن كوجهة عالمية لصناعة الأفلام، ويوفر له مكاسب اقتصادية وسياحية مستدامة.
بدوره، قال الفنان الفوتوغرافي والرحالة الأردني عبدالرحيم العرجان إن الأفلام تصل إلى مئات الملايين من المشاهدين حول العالم دون قيود، ما يجعلها وسيلة ترويجية غير مباشرة ذات أثر واسع. وأضاف أن معظم المواقع الأردنية صالحة للتصوير، غير أن بعضها يتميز بفرادة استثنائية، مثل وادي رم والبحر الميت ووادي عربة والطفيلة، وصولًا إلى أسواق عمان التراثية وأحيائها القديمة.
وأشار العرجان إلى أهمية استقطاب أفلام تُبرز الرسالة الدينية المسيحية في المواقع المعتمدة من الفاتيكان، فضلًا عن المواقع التاريخية مثل جرش وأم الجمال ودروب الممالك القديمة. ولفت إلى أن موقع الأردن الجغرافي المعتدل التكاليف الإنتاجية، إضافة إلى الأمن والتعاون من مختلف الجهات الرسمية، يشكل عناصر جذب رئيسية. وأوضح أن الشركة الأردنية لإحياء التراث أطلقت مؤخرًا مسار “هوليوود” على ظهور الخيل، الذي يمر بعدد من المواقع التي شهدت تصوير مشاهد سينمائية في وادي رم وصولًا إلى القلعة الفرنسية.
وختم العرجان بالتأكيد على ضرورة الاستثمار في الشباب الأردني المبدع ومنحهم الفرص في مجالات التمثيل والإنتاج، مستشهدًا بفيلم “ذيب” الذي أُنتج بسواعد محلية وحصد جوائز دولية، ليُبرهن على قدرة الكفاءات الأردنية على الإبداع ورفع اسم الأردن في المحافل السينمائية العالمية.