شريط الاخبار

اليوم الثاني الجلسات الموازية الأولى تتناول دور الإعلام في المشاركة السياسيّة للشباب وصانعو المحتوى في الأزمات وكيف نحمي المدافعين عن حقوق الإنسان 65% من الشباب يولون الاقتصاد أهميّة أكثر من السياسة العبدلله: التاريخ لا ينسى المتخاذل الإعلاميون والحقوقيون يواجهون قيود الحريات في الأردن

بوست نيوز :-

 

تواصلت الجلسات الموازيّة في اليوم الثاني من ملتقى مستقبل الإعلام والاتصال، لتفتح مجالاتٍ جديدةً للنقاش حول عددٍ من القضايا المسيطرة على المشهد الإعلامي. فقد تناولت هذه الجلسات دور الإعلام في تعزيز المشاركة السياسيّة للشباب، وسبل حماية المدافعين عن حقوق الإنسان، إضافة إلى التحديات التي يواجهها صانعو المحتوى في خضمّ الأزمات والحروب. وقد شكّلت هذه المسارات الحوارية منصة لتبادل الخبرات والتجارب، بما يعمّق الوعي الجماعي بأهمية الإعلام كأداة للتأثير والتغيير.

التمكين والتغيير

وعُقدت جلسة بعنوان “التمكين والتغيير.. دور الإعلام في المشاركة السياسية للشباب”، أدارتها الإعلاميّة هبة عبيدات، وشارك فيها المستشار الإقليمي للمؤشر العالمي لمشاركة الشباب السياسي حسن الور، و مساعد الأمين العام في حزب إرادة نور الدويري، والمستشار الأسبق لوزير الشباب فهد الحسبان.
وأرجع الور عزوف الشباب عن السياسة إلى غياب إشراكهم الفعلي في صنع القرار بالإضافة للظروف الاقتصادية التي تجعلهم يضعون الاهتمام السياسي جانبًا، مؤكدًا أن الحل يكمن في فتح المجال أمام مشاركتهم الحقيقية تطبيقًا لرؤية الدولة الأردنية.
وقالت الدويري إن 65% من الشباب الأردني يعطون أولويّةً للاستقرار الاقتصادي أكثر من الاستقرار السياسي، رغم ارتباط الجانبين وتكميلهما لبعضهما، معتبرةً أن الإعلام لم ينصف العمل الحزبي وأن التجربة الحزبية بالأردن لا يمكن الحكم عليها بالفشل قبل مرور عقد كامل لها.
وفي إجابتها على أسئلة الجمهور، أوضحت أن الشباب غالبًا ما يحكمون على التجربة السياسية من واقع تجارب أهاليهم السابقة “غير المثمرة”، وهو ما يفسر حالة الصدمة والتردد في خوض العمل السياسي.
ومن جانبه استشهد الحسبان، بدراسة لمؤسسة فريدريش إيبرت أظهرت أن 70% من الشباب الأردني غير مهتمين بالعمل السياسي، وأن الإعلام العربي يقوم بدور توعوي أكثر من كونه إشراكي، مشددًا على ضرورة إشراك الشباب بشكل أكبر في النقاشات السياسية وإتاحة مساحات أوسع لهم على طاولات الحوار، مع مراجعة الخطاب الإعلامي الموجه إليهم.

صانعو المحتوى في الازمات والحروب

وفي جلسةٍ أُخرى بعنوان “صانعو المحتوى في الأزمات والحروب” للصحفي وصانع المحتوى السوري هادي العبدلله، تحدث عن تجربته في نقل الاحداث خلال الأزمة السورية وعن دور الإعلاميين و الصحفيين وصنّاع المحتوى بنقل الصور وتوثيقها في مناطق النزاع. قائلًا إنَّ الازمة أسهمت في ظهور عددٍ من صناع المحتوى غير المؤهلين غير أنَّ الحاجة لنقل المعلومات الدقيقة وسط الألم كانت مُلّحةً في ظل التضييق الذي مورس على الصحفيين وعدم السماح لهم بالدخول لبعض مناطق النزاع.
وعن خصوصية الصحفي وصانع المحتوى السوري عن غيره، أوضح اكتسابها أهميةً؛ لأنه يتعامل معها كقضية مصيرية في ظل تعرضه لمخاطر جسيمة؛ إذ استشهد وأصيب عدد كبيرٌ من الصحفيين وصانعي المحتوى، لافتًا إلى مواكبة الصحفي السوري ظروفًا استثنائيةً بمواجهته شتى أنواع الكوارث من حربٍ وتدميرٍ وقتلٍ إلى الزلازل، وهو ما اكسبه خبرة كبيرة من خلال الممارسة على أرض الواقع وأدى لتفوقه على بعض وسائل الإعلام. مستدركًا بأن للتجربة سلبياتها كذلك مثل العيش في ظل خطر مستمر والآثار النفسية نتيجة القلق والتراكمات التي قد تستمر لسنواتٍ طويلة.
وعن أثر صناع المحتوى في الأزمة السورية ذكر العبدالله أن هناك بعض التغطيات التي أثرت في قرارات دولية مثل مجلس الامن الدولي، وساهمت في حماية المواطنين ببعض المناطق. مشددًا على أن صناع المحتوى والصحفيين مطالبين بالوقوف مع شعوبهم وشعوب المنطقة لأن هذا جزءٌ من قيمهم ودورهم ومسؤوليتهم الأخلاقية. داعيًا إيّاهم للوقوف في وجه العدوان على غزة ونقل الصورة وعدم التخاذل، قائلا إن ” التاريخ لا ينسى المتخاذل حتى لو ركب الموجة بعد انتهاء الأزمة “.
وبيّن أنَّ لصناع المحتوى دورًا كبيرًا من خلال تعزيز السلم المجتمعي والانخراط في مرحلة التعافي وتعزيز جسور الثقة التي فُقدت ومسؤولية تجاه الإعمار في المناطق المدمرة.

قوانين فضفاضة وتوقيفات تعسفية

فيما عُقدت جلسةٌ بعنوان “كيف نحمي المدافعين عن حقوق الإنسان بين القانون والتطبيق”، وأدارتها الإعلاميّة هديل غبون بمشاركة رئيسة الجمعية الاردنية لـحقوق الإنسان فاطمة دباس و الممثل القُطري ومستشار السياسات منظمة ديجنتي محمد شما.
وفي الحوار، قالت دبّاس إن المدافعين عن حقوق الإنسان يواجهون تحديات متزايدة في ظل الظروف الإقليمية والدولية الراهنة، مشيرة إلى أنهم يشكلون شبكات متنوعة تضم سياسيين ومحامين وحقوقيين، بالإضافة إلى الإعلاميين الذين يعدون ذراعا أساسية في نقل الحقيقة والدفاع عنها، مؤكدة أن الإعلام أحيانا يصبح هو نفسه خط الدفاع الأول عن حقوق الإنسان ما يُحمّله مسؤولية مضاعفة.
وأضافت أن الدستور الأردني والمواثيق الدولية مثل العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وقانون المطبوعات والنشر والاجتماعات العامة، شكلت أرضية تشريعية لحرية الرأي والتعبير، إلا أن الواقع شهد تراجعًا ملحوظًا منذ منتصف التسعينيات وتحديدًا في عام 2023 مع دخول قانون الجرائم الإلكترونية حيز التنفيذ مبينة أن “مع وجود قانون يجرّم الاعتداء على الخصوصية والاتصالات نرفض أن يتحوّل إلى أداة لـ تقييد حرية الأقلام والألسنة”.
وأوضحت دباس أن أبرز التحديات تكمن في توسع نصوص القانون بحيث تسمح بمعاقبة الأفراد على مجرد تعليق أو تفاعل عبر وسائل التواصل، وهو ما فتح الباب إلى “اغتيال الشخصية” وتجريم التعبير البسيط عن الرأي، لافتة الى أن هذا الواقع دفع العديد من المنصات الإعلامية إلى إغلاق نفسها ذاتيا خوفا من الوقوع تحت طائلة القانون، ما أسهم في تكميم الأفواه وتجفيف مصادر المعلومات.
وتابعت أن منظمات المجتمع المدني في الأردن تعمل منذ عقود على توثيق الانتهاكات ورفع تقارير إلى الهيئات الأممية، مؤكدة أن هناك قبولا حكوميًا لهذه المشاركة من دون منع أو مساءلة، غير أن الهدف المشترك يجب أن يكون تطوير أرضية حقوق الإنسان وتعزيزها عبر الرصد والتقويم وتدريب العاملين وفتح قنوات شكاوى فاعلة، مشددة على أن “المشكلة ليست بوجود القانون وإنما في توسيع دائرة التجريم فيه”، لافتة إلى أن الحل يكمن في حملات مناصرة وضغط جماعي لتعديل النصوص المقيدة إلى جانب التوعية القانونية للمحامين الإعلاميين والمواطنين على حد سواء.
من جانبه أكد شما أن البيئة التشريعية في الأردن ما زالت تطرح تحديات أمام عمل المدافعين عن حقوق الإنسان رغم بعض الخطوات الإيجابية باتجاه العدالة التصالحية والبحث عن بدائل للتوقيف ، قائلًا إن النهج القائم على العدالة التصالحية “والذي تعمل عليه وزارة العدل والسلطة القضائية” يهدف إلى تقليص الاعتماد على التوقيف والبحث عن بدائل تُسهم في دمج الأفراد بالمجتمع خصوصًا في القضايا البسيطة التي لا تشكل خطرًا على الأمن العام.
وأضاف أن هناك فجوة واضحة في التطبيق وأن بعض النصوص القانونية وعلى رأسها قانون الجرائم الإلكترونية ما تزال تمنح صلاحيات واسعة للتوقيف الإداري، وهو ما يفتح الباب أمام توقيف أشخاص لمجرد تعبيرهم عن الرأي أو مشاركتهم في احتجاجات سلمية ، لافتا إلى أن هذه الصلاحيات ساهمت في ارتفاع أعداد الموقوفين وتفاقم أزمة الاكتظاظ في السجون؛ إذ تجاوز عدد النزلاء 22 ألف في حين أن القدرة الاستيعابية لا تزيد عن 14,500 سجين.
وبيّن شما أن “قضايا الرأي والتعبير لا تشكّل خطرًا على المجتمع” معتبراً أن اللجوء إلى التوقيف في مثل هذه الحالات يتناقض مع روح العدالة التصالحية التي يفترض أن تكون نهج الدولة، وقال إن التحدي الأبرز يكمن في الممارسات المرتبطة بالتشريعات حيث يجري التعامل مع قوانين تنظيمية وكأنها عقابية ما يقيّد عمل الصحفيين والحقوقيين ويدفعهم إلى ممارسة رقابة ذاتية خوفا من الملاحقة.
وعن دور الإعلام، أشار شما إلى أن المنصات الرقمية تحولت في السنوات الأخيرة إلى أدوات بديلة يستخدمها الناشطون الحقوقيون للتعبير والتأثير، في ظل غياب إعلام مستقل قادر على إحداث التغيير مشددا على أن المنصات ليست بديلًا عن إعلام مهني حر قادر على دعم جهود الإصلاح الحقوقي ومساءلة السلطات، مشيرًا الى أن التحديات لا تقتصر على الداخل فقط وإنما تمتد إلى البيئة العالمية حيث تتحكم الشركات الكبرى مثل “فيسبوك” و”إكس” بـ خوارزميات النشر وتوجيه السرديات بما يخدم مصالح ” لـ وبيات” معينة الأمر الذي يعمق أزمة وصول الأصوات المستقلة.
وردا على أسئلة أحد الحضور أوضح شما أن تحسين بيئة حقوق الإنسان في الأردن يتطلب دعمًا مؤسسيًا للعدالة التصالحية ومراجعة النصوص المقيدة للحريات بالإضافة الى رفع مستوى وعي الصحفيين والحقوقيين بالتشريعات الناظمة بما يضمن بيئة أكثر عدلا وإنصافا للمدافعين عن حقوق الإنسان.
وتأتي هذه النقاشات في سياق عالمي تتسارع فيه التحوّلات التكنولوجية والسياسية، إذ يجد الإعلام نفسه في موقع مزدوج؛ أداة للتأثير وصناعة الوعي، وفي الوقت ذاته ساحة مستهدفة بالقيود والمخاطر. بهذا، مهّد اليوم الثاني لملتقى مستقبل الإعلام والاتصال الطريق أمام المشاركين للانخراط في حوارات أعمق خلال الجلسات.
وانطلقت أمس السبت في العاصمة عمّان أعمال ملتقى مستقبل الإعلام والاتصال في دورته الثالثة والذي ينظمه مركز حماية وحريّة الصحفيين على مدار يومين تحت شعار الإعلام من الحرية والحماية إلى التمكين والتغيير. ويشارك فيه أكثر من 750 إعلاميًا وإعلامية وناشطًا وصانع محتوى وخبيرًا، إلى جانب ممثلين عن مؤسسات دولية من مختلف أنحاء العالم.

اظهر المزيد

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى