جنون التيك توك بقلم: نادية إبراهيم نوري

بوست نيوز :-
أغلبنا اليوم يستخدم تطبيق تيك توك أو على الأقل يتابعه بين الحين والآخر. فهو تطبيق قصير يقدّم الفكرة في ثوانٍ معدودة، ويواكب سرعة إيقاع حياتنا، فلا يشعر المتابع بالملل. حتى عند أول فتحه للتطبيق يقرأ العبارة الشهيرة: “قصير، سريع، موفّر للبيانات”. لكن سرعان ما يقع في فخّه دون أن يدري.
فالفيديو القصير الذي يُغريك بمشاهدته الأول، يجرك إلى الثاني ثم الثالث، وهكذا تمضي الساعات الطويلة دون أن تشعر. وهنا تكمن الخطورة؛ إذ تحوّل هذا التطبيق عند بعض ضعاف النفوس إلى مساحة لعرض مشاهد مبتذلة، أو باب للتسوّل، أو منصة لاستغلال طيبة الناس عبر الأبراج وقراءة الطالع والتنبؤ بالمستقبل.
ومع فتح التيك توك باباً للربح السريع، أصاب الكثيرين هوس الشهرة والمال، حتى صار البعض يتحدث في أي موضوع وكل موضوع لمجرّد زيادة المتابعين وتحقيق الأرباح، ولو كان الثمن ضياع القيم والأخلاق.
لكن لا يمكن إنكار أن هناك من اختار السباحة عكس التيار، فاستخدم هذه المنصة للترويج لتجارته أو نشر علمه أو عرض هواياته. فوجدنا أطباء وصيادلة يقدمون نصائح متخصصة، وهواة الزراعة والأعشاب يشاركون خبراتهم، بل وحتى الطب الصيني أصبح له متابعون. كما امتلأ التطبيق بوصفات الطعام، ونصائح التدبير المنزلي، والأشغال اليدوية، و الدروس الخصوصية، ورعاية الحيوانات، إضافةً إلى الأخبار السياسية وقضايا العالم المختلفة.
غير أن الظاهرة الأخطر التي ظهرت مؤخراً هي عرض المشاكل الأسرية على تيك توك. إذ بات بعض الأزواج والزوجات يتبادلون الاتهامات ويكشفون أسرار البيوت أمام ملايين المتابعين، في محاولة لكسب التعاطف أو تشويه صورة الطرف الآخر، غير مبالين بما يسببه ذلك من جراح نفسية لأبنائهم. وما يزيد الطين بلة دخول الأهل والحموات على الخط، فتتحوّل القصة إلى مسلسل متواصل يفتقد كل معايير الأخلاق.
لقد حذّرنا الله سبحانه وتعالى من نسيان الفضل بيننا، فقال تعالى:
﴿وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [البقرة: 237].
وقد قرأت يوماً قصة عن رجاحة عقل العرب قديماً: اختلف زوجان وازدادت مشاكلهما، فسأله صديقه: ما مشكلتك مع زوجتك؟ فأجابه بحزم: “وهل من شيم الرجال أن يفضح أسرار بيته عند الغرباء؟”. وعندما وقع الطلاق، حاول الصديق أن يخفف عن صديقه قائلاً: “لقد خسرت امرأة زوجاً صالحاً مثلك”. فرد الزوج قائلاً: “دعنا منها، فقد أصبحت غريبة عني، ولا أحب أن آكل لحم أخي ميتاً”. أي حكمة هذه! وأي تقوى تلك التي نفتقدها اليوم؟
ليتنا جميعاً نتعلم أن أسرار البيوت لا تُنشر ولا تُفضح، وأن كشفها لن يحل المشاكل بل سيضاعفها. ولنتذكر قول الله تعالى:
﴿مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق: 18].
فالطلاق وإن كان من شرع الله، إلا أنه لا يبرّر التخلي عن الأخلاق، ولا يسقط واجب الاحترام المتبادل، خصوصاً حين يكون هناك أبناء يدفعون الثمن. فلنتق الله في أنفسنا وفي بعضنا، لعلنا نُحسن الختام ونلقى الله بوجهٍ مشرق