“تمكين” تطالب بحماية رقمية شاملة للعاملات في التجارة والخدمات الإلكترونية في الأردن

بوست نيوز :-
عمّان – أوصت دراسة متخصصة بضرورة تعزيز الحماية القانونية والرقمية للعاملات في قطاع التجارة والخدمات الإلكترونية في الأردن، في ضوء النتائج المقلقة التي كشفتها حول انتشار العنف الرقمي وتأثيراته النفسية والاجتماعية والاقتصادية على النساء العاملات.
جاء ذلك في دراسة صادرة عن “تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان”، ضمن فعاليات حملة “16 يومًا لمناهضة العنف ضد المرأة”، التي تركز هذا العام على أشكال العنف المستجدة في الفضاء الرقمي، وعلى الفجوات التي تكشفها تجارب النساء العاملات عبر المنصات الرقمية.
وتشير الدراسة إلى الحاجة لتطوير حماية تشريعية ومؤسسية تلائم الواقع الرقمي المتسارع، بما في ذلك إدراج تعريف واضح للعنف الرقمي القائم على النوع الاجتماعي ضمن قانون الجرائم الإلكترونية، وتنظيم العمل عبر المنصّات الرقمية بما يوفر حماية للعاملات، إضافة إلى تعزيز استجابة المؤسسات الوطنية من خلال آليات تبليغ ودعم أكثر فعالية. كما تؤكد الدراسة أن أي تطوير تشريعي أو مؤسسي يجب أن يستند إلى حجم الظاهرة كما تكشفه البيانات الميدانية، وأن يعكس الاحتياجات الحقيقية للعاملات في هذا القطاع غير المنظم.
وفي التفاصيل، اعتمدت الدراسة على استبانة ميدانية واسعة شملت (822) عاملة من مختلف المحافظات. وتوزعت المشاركات على قطاعات رئيسية، أبرزها: الأطعمة والمنتجات المنزلية بنسبة 38.9%، والملابس والإكسسوارات بنسبة 25.2%، والتجميل والعناية الشخصية بنسبة 16.7%، وإدارة الصفحات والتسويق الرقمي بنسبة 5%، والدعم الفني وخدمة العملاء بنسبة 4.1%. وتؤكد “تمكين” أن هذا التوزيع يعكس واقع آلاف النساء اللواتي يعتمدن على العمل الرقمي كمصدر دخل رئيسي أو مكمل، في ظل محدودية البدائل الاقتصادية المتاحة لهن.
وتكشف الدراسة أن العنف الرقمي بات جزءًا متكررًا من بيئة العمل اليومية، إذ أفادت 48.3% من المشاركات، أي (397) امرأة، بتعرضهن لشكل واحد على الأقل من أشكال العنف الرقمي في أثناء عملهن. كما تبين أن نسبة غير قليلة تعرضت لأكثر من نوع من العنف في الوقت نفسه، وبخاصة خلال مواسم الذروة التجارية والحملات الترويجية. وتشير البيانات إلى أن الرسائل أو التعليقات غير اللائقة هي الشكل الأكثر انتشارًا بنسبة 55.7%، تليها طلبات التواصل على الرقم الشخصي خارج الإطار المهني بنسبة 53.4%، ما يعكس هشاشة الحدود بين الحياة الخاصة والعمل في الفضاء الرقمي.
وتبرز أشكال أخرى لا تقل تأثيرًا، منها سرقة الصور والمحتوى التجاري بنسبة 36%، والتعليقات المسيئة العلنية بنسبة 31.5%، والتقييمات الانتقامية بنسبة 27.5%، مع نسبة 22.7% تعرضن لمراقبة رقمية أو تتبع مستمر عبر حسابات مجهولة، و3% تعرضن لتهديد مباشر بنشر صور خاصة أو محتوى حميمي. وتشير الدراسة إلى أن هذه الفئة الأخيرة تواجه مخاطر مضاعفة؛ نظراً لطبيعة التهديد وتبعاته الاجتماعية والنفسية.
ومن خلال تحليل العلاقات الديموغرافية، تظهر الدراسة أن الفئة العمرية الأصغر هي الأكثر هشاشة؛ إذ تسجل الشابات بين 18 و23 عامًا أعلى نسب للتعرض للعنف الرقمي (56%)، لتنخفض تدريجيًا إلى 51% في الفئة من 24 إلى 35 عامًا، و43% بين 36 و55 عامًا، وصولًا إلى 28% لمن تجاوزن 55 عامًا. كما تكشف البيانات أن العازبات يتصدرن نسب التعرض للعنف الرقمي بنسبة 59%، تليهن المطلقات والأرامل بنسبة 53%، ثم المتزوجات بنسبة 46%، ما يعكس أثر الصور النمطية الاجتماعية على مستوى المخاطر التي تواجهها المرأة في العالم الرقمي.
ويكشف التحليل التعليمي أن النساء ذوات التعليم الأقل (أقل من ثانوي أو ثانوي) يتعرضن للعنف الرقمي بنسبة 52%، مقارنة بـ 45% لدى حاملات الدبلوم أو البكالوريوس، في حين ترتفع نسب التعرض للعنف الرقمي إلى 57% بين اللواتي يعملن أكثر من ثماني ساعات يوميًا عبر الإنترنت، مقابل 45% فقط بين العاملات أقل من أربع ساعات. وتشير الدراسة إلى أن “زمن التعرّض للعنف الرقمي” ذاته أصبح عامل خطر أساسياً، إذ ترتفع احتمالية مواجهة العنف كلما زادت ساعات الحضور الرقمي.
وتقدم الدراسة قراءة معمقة للبنية الرقمية المحيطة بعمل النساء؛ إذ تعتمد 83.5% من المشاركات على تطبيق واتساب كمنصة أساسية للتواصل، و57.7% على فيسبوك، و32.2% على إنستغرام، فيما تمتلك 2.8% فقط متجرًا إلكترونيًا رسميًا. كما تبين أن 93% من المشاريع غير مسجلة رسميًا، وأن 64.3% من العاملات يستخدمن الحساب نفسه للعمل والحياة الشخصية، وأن 70.7% لم يفعّلن المصادقة الثنائية، وأن 60.5% لا يعرفن آليات التبليغ داخل المنصات، و68.5% لا يعرفن كيفية التوثيق المقبول قضائيًا، فيما لا تدرك 44.6% أن العنف الرقمي يُعد جريمة يعاقب عليها القانون الأردني. وتشير هذه الأرقام مجتمعة إلى هشاشة بنية الحماية الرقمية على المستويين الشخصي والمؤسسي.
وعلى مستوى الآثار النفسية، تُظهر الدراسة أن العنف الرقمي لا يبقى حبيس الشاشة، إذ عبّرت 47.1% من المتعرضات عن شعور بالغضب، و40.3% عن قلق مستمر، و24.4% عن خوف واضح من التكرار، بينما قالت 15.6% إن ثقتهن بأنفسهن تراجعت بعد التعرض، وأقرت 46.2% بأن ثقتهن الذاتية تأثرت بدرجات متفاوتة. وفي الجانب الاجتماعي، لم تتحدث 25.1% من المتعرضات مع أي جهة، واكتفت 38.5% بإبلاغ العائلة، و33% بالتحدث مع صديقة، بينما لجأت 3.4% فقط إلى جهة رسمية. وتشير الدراسة إلى أن 14.8% من النساء تلقين ردود فعل لائمة أو مشكّكة من محيطهن، ما يرسخ ثقافة “لوم الضحية” ويضعف فرص التبليغ.
أما على المستوى الاقتصادي، فترصد الدراسة انعكاسات ملموسة، إذ أفادت 44.1% بأن العنف الرقمي أثر في رغبتهن في الاستمرار بالعمل، و31% بأنهن اضطررن لتقليل استخدام المنصّات، و29.3% بأنهن خسرن زبائن أو دخلًا فعليًا، سواء بسبب التقييمات السلبية أو الانسحاب المؤقت أو الدائم من المنصات. وتشير تقديرات الدراسة إلى أن الخسائر الاقتصادية السنوية للعنف الرقمي بحق النساء العاملات في التجارة الإلكترونية تتجاوز 4.2 مليون دينار أردني عند احتسابها على نطاق أوسع من العينة.
وتضع الدراسة هذه النتائج في سياق وطني ودولي أوسع؛ ففي الأردن، ما تزال مشاركة المرأة الاقتصادية من بين الأدنى في المنطقة، إذ لا تتجاوز 14–15%، بينما يظل معدل البطالة بين النساء مرتفعًا، ما يجعل العمل الرقمي خيارًا مهمًا للنساء اللواتي يجدن صعوبة في دخول سوق العمل النظامي. لكن هذا القطاع، الذي يُفترض أن يكون رافعة للتمكين الاقتصادي، يتحول في ظل غياب التنظيم وضعف الحماية الرقمية إلى مساحة جديدة لإعادة إنتاج التهميش والعنف.
وترى “تمكين” أن الفجوة بين سرعة توسع الاقتصاد الرقمي وبطء تطوير الأطر التشريعية والمؤسسية تُبقي النساء العاملات عبر المنصات الرقمية في موقع هشّة مضاعف؛ فهنّ خارج مظلة قوانين العمل والضمان والحماية الاجتماعية، وفي الوقت ذاته خارج أي تعريف قانوني محدد للعنف الرقمي القائم على النوع الاجتماعي. وتشير “تمكين” إلى أن استجابة المنصات العالمية للعنف الرقمي ما تزال محدودة، وغير مكيّفة مع السياقات المحلية، وتفتقر إلى آليات دعم نفسي أو اجتماعي أو قانوني، ما يجعل الوصول إلى العدالة الرقمية أكثر صعوبة.
وتؤكد الدراسة أن مواجهة هذا الواقع تتطلب مقاربة وطنية متكاملة، تشمل الاعتراف القانوني بالعنف الرقمي القائم على النوع الاجتماعي، وتنظيم العمل عبر المنصات الرقمية، وتوفير آليات تبليغ مكيّفة وآمنة، وإطلاق برامج تدريب واسعة في مجال الأمان الرقمي، وربط هذه الجهود بالاستراتيجيات الوطنية المتعلقة بالمرأة والعمل والحماية الاجتماعية. كما تدعو “تمكين” شركات التكنولوجيا العالمية إلى تطوير سياسات أكثر التزامًا واستجابة لبلاغات النساء في الأردن، تتجاوز إغلاق الحسابات المسيئة إلى توفير أدوات حماية فعالة.
وتختتم “تمكين” بيانها بالتأكيد على أن العنف الرقمي في الأردن لم يعد تحديًا تقنيًا فحسب، بل أصبح قضية حقوقية واقتصادية واجتماعية، وأن حماية النساء العاملات في الفضاء الرقمي تُعد جزءًا أساسيًا من الحق في العمل الكريم والكرامة الإنسانية. وتدعو في سياق حملة “16 يومًا لمناهضة العنف ضد المرأة” إلى تحويل هذا الملف من شأن هامشي إلى أولوية وطنية، حتى لا تتحول المنصات الرقمية من فرصة للتمكين إلى ساحة دائمة للعنف والإقصاء.







