الحفاظ على الماضي جائزة ايكروم الشارقة تكرّم جهود الحفاظ على التراث الثقافي في الأردن

بوست نيوز :-
منذ انطلاقتها الأولى في عام 2017، وجائزة ايكروم الشارقة للممارسات الجيدة في حفظ وحماية التراث الثقافي في المنطقة العربية تمارس دوراً هاماً وريادياً على الصعيدين الإقليمي والدولي في تسليط الضوء على المشاريع المتميزة والتجارب العربية الاستثنائية الرامية للحفاظ على التراث الثقافي، وتقدير هذه المشاريع والاحتفاء بها وتكريم الأفراد والمؤسسات التي تقف خلف نجاحاتها.
ولطالما كانت مشاريع الحفاظ على التراث الثقافي في الأردن في مرمى اهتمام الجائزة، إذ حظيت هذه المشاريع بالكثير من الاهتمام من لجان التحكيم المتعاقبة، وتم اختيار مشروع منها من بين المشاريع الفائزة في دورة الجائزة في عام 2020، وثلاثة مشاريعأخرى ضمن القائمة القصيرة للمشاريع المرشحة للجائزة خلال دوراتها الثلاث التي تم تنظيمها حتى الان، حيث وصلت هذه المشاريع إلى مسافة خطوة واحدة فقط من الفوز بالجائزةـ، من بين عشرات المشاريع الأخرى التي ترشحت من الدول العربية.
وبمناسبة الإعلان عن تمديد الموعد النهائي لاستلام الترشيحات للجائزة في دورتها الحالية حتى الأول من شهر حزيران (يونيو) القادم وفقاً لبيان رسمي صادر عن مركز ايكروم الإقليمي في الشارقة، نسلط في هذه المادة الخاصة الضوء على المشاريع الأردنية الاستثنائية التي فازت بالجائزة أو التي وصلت إلى الأدوار النهائية وتم ادراجها ضمن القائمة القصيرة للمشاريع المرشحة للجائزة في دوراتها السابقة.
كما نقدم لمحة مختصرة عن هذه الجائزة التي تعد الأولى من نوعها في المنطقة العربية وتمنح مرة كل سنتين، تحت رعاية سمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة في دولة الامارات العربية المتحدة، داعين في الوقت نفسه الأفراد والمؤسسات أصحاب المشاريع النموذجية في مجال ترميم أو الحفاظ على التراث الثقافي في الأردن انتهاز هذه الفرصة والمسارعة بالاشتراك بالجائزة في دورتها الحالية، التي سوف يسدل الستار عليها في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من العام الجاري.
جائزة ايكروم الشارقة وأهمية الحفاظ على التراث الثقافي
إن الحفاظ على التراث الثقافي يحمل أهمية كبيرة، ليس فقط للمجتمع المحلي ولكن للمجتمع الدولي أيضًا. إذ تعمل المباني التراثية والصروح القديمة والكنوز الأثرية بمثابة أدلة ملموسة للروابط التاريخية التي تربطنا بماضينا المشترك، مما يسمح لنا بفهم أفضل للنسيج الغني للحضارة الإنسانية. ومن خلال الحفاظ على هذه المواقع التي لا يمكن تعويضها، فإننا لا نحافظ على سلامتها الإنشائية فحسب، بل نضمن أيضًا استمرارهافي إثارة الاهتمام بالإنجازات الرائعة التي حققها أجدادنا، وتعزيز الهوية الثقافية، وتشجيع السياحة، وتحقيق التنمية الاقتصادية.
تنطلق جائزة ايكروم الشارقة للممارسات الجيدة قي حفظ وحماية التراث الثقافي في المنطقة العربية من هذه الأهمية، حيث ترمي وفقاً للقائمين عليها إلى تكريم المشاريع التي تهدف للحفاظ على التراث الثقافي في المنطقة العربية. ولا يختلف أحد على أن المنطقة العربية في حاجة ماسة لمثل هذه الجهود الجماعية والفعاليات التي تعطي كل ذي حق حقه، وتمنح شرف التكريم لأشخاص ومؤسسات لطالما عملوا وبذلوا جهوداً كبيرة في الدفاع عن التراث الثقافي دون أن يلاحظ عملهم أحد.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ أن الحفاظ على مواقع التراث الثقافي وفقاً للمديرة العامة لمنظمة ايكروم، أرونا فرانشيسكا ماريا جوجرال، هو مسعى عالمي يتطلب تعاونًا دوليًا واقليماً. وضمن هذا الإطار تلعب جائزة ايكروم-الشارقة، كما تقول، “دوراً حاسماً في تعزيز هذا التعاون من خلال الجمع بين الأفراد والمنظمات والحكومات من مختلف أنحاء العالم. ومن خلال الجوائز، تتاح للمتلقين الفرصة للتواصل مع الخبراء وصانعي السياسات والممولين الذين يمكنهم المساهمة في دعم مشاريعهم المستقبلية.“
ومنذ انطلاقتها في عام 2017، وصلت أربعة مشاريع استثنائية من الأردن إلى الأدوار النهائية، بينما فاز مشروع واحد منها بالجائزة في عام 2020، وهو مشروع “استقرار السيق بهدف التخفيف من المخاطر الفورية في سيق البتراء”. أما المشروعات الثلاثة الأخرى التي وصلت إلى الأدوار النهائية، وسوف نستعرضها جميعها في هذه المقالة، فكانت مشروع إعادة استخدام بيت ابو جابر وتحويله إلى بيت المتحف التاريخي لمدينة السلط، ومشروع الحفاظ على معبد أرتميس الذي يعود للقرن الثاني في مدينة جرش، وأخير اً مشروع تأهيل قرية المعطن التراثية في الأردن.
مشروع استقرار السيق – التخفيف من المخاطر الفورية في سيق البتراء
يهدف هذا المشروع، وهو المرحلة الثالثة ضمن مشروع من عدة مراحل انطلق في عام 2012 – بفضل الدعم الذي قدمه مكتب اليونسكو في عمان، وجهود محمية البتراء الأثرية ودائرة الآثار الأردنية، وبتمويل من مؤسسة التعاون الإنمائي الإيطالي – إلى الحفاظ على تراث المنطقة وإجراء تنفيذ عملي للتخفيف من مخاطر الانهيارات الأرضية في ‘السيق’.
ويبلغ طول ‘السيق’ 1.2 كم، وهو ممر ضيّق تشكَّل طبيعياً على نحو خلّاب، ويمتد بين المرتفعات الأخاذة ويُعد بمثابة المدخل الرئيس للموقع. ونظراً للتكوين الجيولوجي الخاص بالسيق، فإنه يُعد أحد المناطق الأكثر عرضة للخطر في البتراء، إذ تكون المخاطر البيئية الطبيعية تهديداً كبيراً للتراث الثقافي والزوار، فالماء يتدفق الى ‘السيق’ من الأودية المحيطة خلال موسم الأمطار بغزارة شديدة تؤدي في بعض الأحيان إلى انهيارات أرضية فيضانات وكوارث.
يتضمن المشروع تطبيق التدخلات ذات الأولوية للحد من الانهيارات الأرضية المفاجئة في المنطقة العليا للسيق وعلى منحدراته؛ وتطوير قدرات العاملين في السلطات الوطنية وأهالي المنطقة للتعامل مع مخاطر الانهيارات الأرضية وتنفيذ تدابير للحد من المخاطر في الموقع؛ ورفع الوعي بمخاطر الانهيارات الأرضية والأخطار الطبيعية الأخرى التي تقع داخل محمية البتراء الأثرية وتحديداً في السيق.
ولا شك أن وضع استراتيجية للحفاظ على السيق في البتراء هو مبادرة رائدة وعملية معقدة تتطلب نهجاً محدداًومبتكراً. ووفقاً للموقع الرسمي للجائزة، إن هذا المشروع “مبتكر جداً وهو الأول من نوعه الذي ُنفذ في الأردن والمنطقة العربية. وستوفر الخبرة المكتسبة منه نموذجاً لتقييم المخاطر في المواقع ذات التركيب الجيولوجي المماثل. وستقدم هذه التجربة أيضا نموذجاً لتقييم المخاطر وإدارتها في مناطق أخرى من موقع البتراء التي تواجه تحديات مماثلة.“
بيت ابو جابر يتحول إلى متحف تاريخي في مدينة السلط
تم اختيار هذا المشروع ضمن القائمة القصيرة للمشاريع المرشحة لجائزة ايكروم الشارقة في عام 2020. ويتمحور المشروع حول إعادة استخدام بيت ابو جابر، وهو بناء تراثي قديم في مدينة السلط، ليصبح متحف المدينة التاريخي. يعتبر هذا المشروع جزء من محاولات الأردن لتطوير مجالات الحفاظ على التراث المعماري والحضري بالإضافة الى ترويج السياحة الحضرية التراثية في أواسط المدن التاريخية في الأردن.
تتمحور أهمية هذا المشروع أولا في محاولة الحفاظ على هذا المعلم المعماري الاستثنائي والذي يمثل نمطا معماريا مهماً في المدينة وإعادة استخدامه كفعالية جديدة تساهم في دعم السياحة الحضرية التراثية في المدينة. واعتمدت فلسفة الحفاظ على احترام أهمية المبنى والموقع والقيم المرتبطة بهما، بالإضافة إلى فهم نمط البناء التاريخي. بالإضافة إلى ذلك، واعتمادا على المواثيق الدولية المتعلقة بالحفاظ على التراث، اعتمدت فلسفة الحفاظ على خلق نوع من التمييز المدروس بعناية بين النسيج الأصلي للمبنى والإضافات الجديدة.
إن إعادة استخدام بيت ابو جابر كمتحف تاريخي يمكن اعتباره مثالا فريدا في الأردن من ناحية التركيز على واعطاء الصوت للتاريخ الاجتماعي للمدينة من القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين حيث أن هذه الفترة التاريخية لم يركز عليها سابقا في المتاحف الأردنية. كما يشكّل بيت المتحف التاريخي لأبو جابر نقطة انطلاق مركزية في وسط المدينة التاريخي، ويكوّن بداية الرحلة لعدة مسارات تراثية تستكشف المدينة كمتحف مفتوح بساحاته وفراغاته العامة، وأدراجه، بالإضافة لعمارته التاريخية المميزة.
الحفاظ على معبد أرتميس من القرن الثاني في جرش
ترميم معبد أرتميس الذي يعود للقرن الثاني في جرش هو مشروع تعاوني تم تنفذه بالتعاون بين دائرة الآثار الأردنية ومنظمة غير ربحية تدير البعثة الأثرية الإيطالية في جرش، بتمويل من صندوق السفير لحماية الثقافة، سفارة الولايات المتحدة في عمان. وتم اختيار هذا المشروع ضمن القائمة القصيرة للمشاريع المرشحة لجائزة ايكروم الشارقة في عام 2022.
يعد معبد أرتميس، وهو واحد من أروع المعابد في المقاطعات الشرقية للإمبراطورية الرومانية، شاهدًا ماديًا على تاريخ مدينة جراسا القديمة من خلال تحولات الاستخدام التي تعرض لها المبنى على مر التاريخ. وبعد عمليات ترميم واسعة وكبيرة جرى تنفيذها في جرش خلال قرن من الزمان، مبينة بعض المراحل الزمنية في تاريخ المدينة، تقرر إجراء تدخل يهدف إلى إظهار النصب التذكاري مع التركيز على مراحل استخدامه إلى حد كبير.
بالإضافة إلى ذلك تم رصد وتحليل ظواهر الاضمحلال في المبنى واختبار الأنظمة الكفيلة بوقف التهديدات طويلة الأمد مثل العواصف والأمطار والتغير في معدلات درجات الحرارة النهارية. وتم إجراء التدخلات من قبل فرق الترميم والعاملين المهرة ضمن مجموعة تم إنشاؤها وتدريبها خصيصًا من خلال دروس عملية تهدف لزيادة القدرة العملية لدائرة الآثار للمراقبة اليومية وصيانة المنطقة الأثرية والقيام بتنفيذ التدخلات الأكثر تعقيداً.
يرتبط جزء كبير من الأضرار التي تم إصلاحها في المعبد بسلوكيات الزوار. على الرغم من حمايته الآن من خلال الحراس والكاميرات والحواجز لكن البرنامج التوعوي طويل الأمد هو الطريقة الفعالة لمعالجة هذه المشكلة، ولذلك وكجزء من المشروع تم تنفيذ حملتين لتقييم زوار الموقع والمجتمع المحلي في جرش للحصول على قاعدة قابلة للقياس يمكن على أساسها تطوير عدد من المبادرات.
تأهيل قرية المعطن التراثية
تقع قرية المعطن التراثية في الطفيلة، جنوب الأردن، وهي مثال مثير للاهتمام لقرية ريفية تم التخلي عنها في الثمانينيات حيث انتقل القرويون بعيدًا إلى البلدات المجاورة التي توفر المزيد من الخدمات والمساحة للنمو. على الرغم من أنها عانت منذ ذلك الحين من عدد من عوامل التدهور، إلا أن القرية معروفة جيدًا بمناظرها الطبيعية الخلابة وتاريخها الغني جدًا، حيث سكنها الأدوميين أولاً ثم الأنباط لاحقًا.
طور مركز ترميم للمحافظة على التراث مقترح مشروع لترميم وتأهيل عدد من البيوت التراثية في القرية بالتنسيق مع المجتمع المحلي. وتم تمويل المشروع من قبل السفارة الهولندية في الأردن ونفذ من قبل مركز ترميم خلال الفترة من تشرين الثاني 2017 إلى حزيران 2020، وتم اختياره ضمن القائمة القصيرة للمشاريع المرشحة لجائزة ايكروم الشارقة في عام 2022.
يهدف المشروع إلى تعزيز دور التراث كمحرك للنمو الاقتصادي المستدام من خلال فهم قيمته المعاصرة العالية والمشاركة المجتمعية. وبالإضافة لأعمال الترميم ضمن القرية، تم الأخذ بالاعتبار التأثير المجتمعي ومشاركة المجتمع المحلي في المشروع، حيث نفذ المشروع برنامجاً مكثفاً لتوعية المجتمع قبل وأثناء التدخلات الميدانية لتعزيز مشاركتهم وتعزيز أهمية التراث. وقد تحقق ذلك من خلال ورش العمل التي أقيمت للنساء والأطفال والشباب وحتى كبار السن الذين كان لهم دور في نقل التراث غير المادي للأجيال القادمة من خلال الانضمام إلى الزيارات الميدانية والمشاركة في ورش العمل.
دورة جديدة من الجائزة وفرصة جديدة للفوز
إن الاعتراف الذي حظيت به جهود الحفاظ على التراث الثقافي في الأردن والدول العربية الأخرى، من قبل جائزة ايكروم الشارقة يؤكد على التأثير العميق الذي يمكن أن تحدثه هذه الجوائز على الحفاظ على مواقع التراث الثقافي في جميع أنحاء المنطقة العربية. ومن خلال تسليط الضوء على هذه الإنجازات الرائعة، لا تحتفي جائزة ايكروم الشارقة بالأفراد والمؤسساتالمتفانين الذين يقفون وراء المشاريع فحسب، بل تلهم أيضًا الآخرين للسير على خطاهم.
علاوة على ذلك، تسلط الجائزة الضوء على أهمية الجهود التعاونية في الحفاظ على الثقافة. إن الترميم الناجح لمعبد أرتميس، وتأهيل قرية المعطن التراثية، وتحويل بيت أبو جابر لمتحف تراثي، كلها نتيجة لشراكات طويلة الأمد بين المجتمعات المحلية، والجهات المعنية، وخبراء التراث والمنظمات الدولية. يعد هذا النهج التعاوني، الذي تعززه جائزة ايكروم الشارقة، أمراً بالغ الأهمية لضمان الاستدامة والتأثير على المدى الطويل لمبادرات الحفاظ على التراث.
إن التقدير الذي مُنح لمشاريع الحفاظ على التراث في الأردن من قبل جوائز ايكروم الشارقة حتى الآن هو بمثابة شهادة على تفاني وخبرة مجتمع الحفاظ على التراث الأردني. كما أنه يسلط الضوء على التزام البلاد بحماية تراثها الثقافي، الذي لا يعد مصدرًا للفخر الوطني فحسب، بل يعد أيضًا عنصرًا حيويًا في صناعة السياحة والتنمية الاقتصادية. وبينما نواصل مواجهة تحديات العالم الحديث، من الأهمية بمكان أن نظل ثابتين في التزامنا بالحفاظ على الكنوز الثقافية التي عهد بها إلينا.
في الختام، وبينما تقترب الجائزة في دورتها الرابعة من الموعد النهائي لاستلام الترشيحات، ننتهز هذه الفرصة لنؤكد على أهمية المشاركة بالجائزة في دورتها الحالية، ونذكر الأفراد والمؤسسات المعنيين بالحفاظ على التراث في الأردن لانتهاز هذه الفرصة وتقديم مشاريعهمللمنافسة على الجائزة، ما يؤكد على الأهمية الحيوية للحفاظ على تراثنا الثقافي المشترك. ومن خلال تكريم العمل الاستثنائي للأفراد والمنظمات المكرسة لهذه القضية، تلهمنا جائزة ايكروم الشارقة جميعًا للعب دور في حماية الماضي للصالح العام والأجيال الحالية والمستقبلية.
—